في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بيوم الأم بأكاليل الزهور ... وبطاقات المعايدة ... وهدايا الحب والتقدير ، يحتفل شعبنا بيوم الأم في فلسطين وهي تستقبل ابنها جريحاً أو تودعه شهيداً ... أو تبكيه أسيراً ... ما أعظم الأم الفلسطينية وهي تسطر على صفحات التاريخ بطولات عزٍ ، وتضحيات إيمان عَزَّ نظيرها ... الأُمُّ الفلسطينية أُمٌّ عظيمة مباركة ... وكيف لا تكون كذلك ، وقد أنجبت الأبطال من الشهداء والقادة ، وقد صنعت الرجال في زمن أشباه الرجال ... - من أمهات فلسطين من استشهدت دفاعاً عن دينها وأقصاها وأرضها ... منهن من أودعت السجون لا لذنب إلا لأنها تقول : ربي الله ، وديني الإسلام، ونبيي محمد (ص) ، وسبيلي الجهاد والمقاومة ... منهن من أنجبيت وليدها داخل السجون ... منهن من أصيبت في جسدها ، وأعيقت في حركتها ... منهن من فُجعت بفقد فلذات أكبادها ... ومنهن من فقدت شهيداً ،بل شهيدين، بل ثلاثة ... منهن من تحسر قلبها ولم يجف دمعها على غياب ابنها في السجون سنوات وسنوات... بل ومن أمهات فلسطين العظيمات من قادت أبناءها إلى الجهاد والاستشهاد ...من زفتهم إلى الجنة ... ومنهن من قادت معارك ضارية مع العدو كتلك التي وقعت في بيت حانون إثر محاصرة مجموعة من المجاهدين في أحد المساجد ، ونجحن في انقاذهم من قبضة الاحتلال ... ومنهن من قادت معركة فتح معبر رفح ... فتحية إلى كل أم مسلمة ، وتحية إلى كل أم فلسطينية صابرة مصابرة ، مجاهدة محتسبة ... وباقةُ إكبار وإعزازٍ وإجلال نهديها إلى كل الأمهات الصابرات ... ولنا مع هذه المناسبة عدة وقفات أهمها : كنا نأمل من العالم الذي يدعي الديمقراطية والحرية أن ينصف الأم المضطهدة ، المثخنة بالجراح ، المثقلة بالهموم إن في فلسطين ...أو في العراق .. أو في الشيشان ... أو في أفغانستان ... كنا نأمل من العالم أن يصغيَ لآهات الثكالى، وصرخات الأرامل وهن يعانين ويلات الاحتلال ... وهن يفقدن فلذات أكبادهن ولكن كما قال الشاعر : رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم لا تحزني أيتها الأم الفلسطينية فإن تخلى عنك البشر ، فرب البشر يرعاك ، لا تحزني وإن خذلك الأقربون ، وإن حاربك المعتدون ... وإن خطف ابنك المجرمون ، لا تحزني لأن الله معك ، لا تحزني لأنك على الحق ظاهرة ، ولعدوك قاهرة ، وعلى مصابك صابرة ، لا تحزني لأنك بصبرك وجهادك ستدخلين جنة عرضها السموات والأرض {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان/12] . { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة/155، 156] . لا تحزني لأنك من يقود المعركة ضد العدوان ، فأنت من أنجب الرجال ، وأنت من غرست معاني الإيمان والرجولة والبطولة في نفوس هؤلاء الرجال – لا تحزني لأن غراسك الطيبة، وصبرك الجميل ، وتضحياتك المباركة ستكون جسوراً تعبر منها الأمة إل نصرها وعزها وكرامتها . الأم مدرسة إذا أعددتها أعدت شعباً طيب الأعراق أما واجبنا تجاه هذه الأم العظيمة فهو واجب كبير وعظيم : - أن نقف إلى جانبها ، أن نواسيَها ، أن نتفقد أحوالها خاصة في هذا الوقت العصيب حيث لا يكاد يخلو بيت من مصاب ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِىُّ (ص) « السَّاعِى عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ، أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ » صحيح البخارى . - واجبنا أن نبرَّها ، أن نسهر ليلنا ، أن نعمل نهارنا ، أن نخفض جناحنا لها حباً وطاعة وتوقيراً ، وتقرباً إلى الله تعالى ، فطاعة الأم باب من أبواب الخير والتوفيق والرضا ، والمحروم من حرم خير والديه ، المحروم من أدرك والديه ولم يغفر له، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) : « رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ». قِيلَ مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ » صحيح مسلم . - واجبنا – أخي - ألا نفوت فرصة لطاعة الأم أو الوالدين إلا اغتنمناها ، فالحياة أنفاس معدودة ، فيا لسعادة من أطاع والديه ، ويا لشقاء من عصاهما ، إذا أردت الجنة فتقرب لأمك أو لوالدك ، إذا أردت السعادة والرضا والتوفيق في الدنيا فتقرب لأمك أو لوالديك حباًً وبراً ومساعدة ، وحذار أن تغضب ربك بهما فتحرم الخير والتوفيق في الدنيا والآخرة ويكفي دلالة على هذا المعنى أن قرن الله عبادته بالإحسان للوالدين :{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [الإسراء/23، 24]. |